فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والقائل سمعت عليًّا: أكَيْنة بن عبد الله جدّهم الأعلى.
والأقوى أن يكون المراد بقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني القرآن؛ فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير، والله أعلم.
قال الماورديّ: {وَلِقَوْمِكَ} فيهم قولان: أحدهما من اتبعك من أمتك؛ قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن.
الثاني لقومك من قريش؛ فيقال ممن هذا؟ فيقال من العرب، فيقال من أيّ العرب؟ فيقال من قريش؛ قاله مجاهد.
قلت والصحيح أنه شرف لمن عمِل به، كان من قريش أو من غيرهم.
روى ابن عباس قال: «أقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من سَرِيّة أو غَزَاة فدعا فاطمة فقال: يا فاطمة اشتري نفسك من الله فإني لا أُغْنِي عنك من الله شيئًا» وقال مثل ذلك لنِسْوَته، وقال مثل ذلك لعِترته، ثم قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: «ما بنو هاشم بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا قريش بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا الأنصار بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا الموالي بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون. إنما أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجِمَام الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى» وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لينتهينّ أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكونون شرًّا عند الله من الجِعلان التي تدفع النتنْ بأنفها، كلّكم بنو آدم وآدم من تراب، إن الله أذهب عنكم عَيْبة الجاهلية وفخرها بالآباء (الناس) مؤمن تقيٌّ وفاجر شقي» خرجهما الطبري.
وسيأتي لهذا مزيد بيان في الحجرات إن شاء الله تعالى.
{وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} أي عن الشكر عليه؛ قاله مقاتل والفرّاء.
وقال ابن جريج: أي تسألون أنت ومن معك على ما أتاك.
وقيل: تسألون عما عملتم فيه؛ والمعنى متقارب.
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}.
قال ابن عباس وابن زيد: «لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو مسجد بيت المقدس بعث الله له آدم ومَن وُلد من المرسلين، وجبريل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فأذّن جبريل صلى الله عليه وسلم ثم أقام الصلاة، ثم قال: يا محمد تقدّم فصلّ بهم؛ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له جبريل صلى الله عليه وسلم: سل يا محمد من أرسلنا مِن قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أسأل قد اكتفيت».
قال ابن عباس: وكانوا سبعين نبيًّا منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام؛ فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله منهم.
في غير رواية ابن عباس: فصلّوْا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة صفوف، المرسلون ثلاثة صفوف والنبيون أربعة؛ وكان يلي ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم خليل الله، وعلى يمينه إسماعيل وعلى يساره إسحاق ثم موسى ثم سائر المرسلين فأمّهم ركعتين؛ فلما انفتل قام فقال: «إن ربي أوحى إليّ أن أسألكم هل أرسل أحد منكم يدعو إلى عبادة غير الله»؟ فقالوا: يا محمد، إنا نشهد إنا أرسلنا أجمعين بدعوة واحدة أن لا إله إلا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل، وإنك خاتم النبيين وسيد المرسلين، قد استبان ذلك لنا بإمامتك إيانا، وأن لا نبيّ بعدك إلى يوم القيامة إلا عيسى ابن مريم فإنه مأمور أن يتبع أثرك.
وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} قال: لقِيَ الرّسل ليلة أسري به.
وقال الوليد بن مسلم في قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} قال: سألت عن ذلك خليد بن دَعْلَج فحدّثني عن قتادة قال: سألهم ليلة أسري به، لقي الأنبياء ولقي آدم ومالك خازن النار.
قلت: هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية.
و(من) التي قبل {رُسُلِنَا} على هذا القول غير زائدة.
وقال المبرد وجماعة من العلماء: إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا.
وروي أن في قراءة ابن مسعود {وَاسْأَلْ الَّذِي أَرْسَلْنَا إِلَيْهِم قَبْلَك رُسُلنا}.
وهذه قراءة مفسّرة؛ فـ: (من) على هذا زائدة، وهو قول مجاهد والسُّدّي والضحاك وقتادة وعطاء والحسن وابن عباس أيضًا.
أي واسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل.
وقيل: المعنى سلنا يا محمد عن الأنبياء الذين أرسلنا قبلك؛ فحذفت (عن)، والوقف على {رُسُلِنَا} على هذا تام، ثم ابتدأ بالاستفهام على طريق الإنكار.
وقيل: المعنى واسأل تُبَّاع مَن أرسلنا من قبلك من رسلنا، فحذف المضاف.
والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد أمته.
{أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ} أخبر عن الآلهة كما أخبر عمن يعقل فقال: {يُعْبَدُونَ} ولم يقل تعبد ولا يعبدن، لأن الآلهة جرت عندهم مجرى من يعقل فأجري الخبر عنهم مجرى الخبر عمن يعقل.
وسبب هذا الأمر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إنّ ما جئت به مخالف لمن كان قبلك؛ فأمره الله بسؤاله الأنبياء على جهة التوقيف والتقرير؛ لا لأنه كان في شك منه.
واختلف أهل التأويل في سؤال النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم على قولين: أحدهما أنه سألهم فقالت الرسل بُعثنا بالتوحيد؛ قاله الواقدي.
الثاني أنه لم يسألهم ليقينه بالله عز وجل؛ حتى حكى ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل: «هل سألك محمد عن ذلك؟ فقال جبريل: هو أشدّ إيمانًا وأعظم يقينًا من أن يسأل عن ذلك».
وقد تقدّم هذا المعنى في الروايتين حسبما ذكرناه. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِى العمى}.
إنكار تعجيب من أن يكون صلى الله عليه وسلم هو الذي يقدر على هدايتهم وهم قد تمرنوا في الكفر واعتادوه واستغرقوا في الضلال بحيث صار ما بهم العشي عمي مقرونًا بالصمم {وَمَن كَانَ في ضلال مُّبِينٍ} عطف على العمي باعتبار تغاير الوصفين أعني العمي والضلال بحسب المفهوم وإن اتحدا مآلا، ومدار الإنكار هو التمكن والاستقرار في الضلال المفرط الذي لا يخفى لا توهم القصور منه عليه الصلاة والسلام ففيه رمز إلى أنه لا يقدر على ذلك إلا الله تعالى وحده بالقسر والالجاء وقد كان صلى الله عليه وسلم يبالغ في المجاهدة في دعاء قومه وهم لا يريدون إلا غيا وتعاميا عما يشاهدونه من شواهد النبوة وتصامًا عما يسمعونه من بينات القرآن فنزلت {أَفَأَنتَ} الخ {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم ونشفي بذلك صدرك وصدور المؤمنين.
{فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} لا محالة في الدنيا والآخرة واقتصر بعضهم على عذاب الآخرة لقوله تعالى في آية أخرى: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: 77] والقرآن يفسر بعضه بعضًا، وما ذكرنا أتم فائدة وأوفق باطلاق الانتقام، وأما تلك الآية فليس فيها ذكره، وما مزيدة للتأكيد وهي بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة.
{أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وعدناهم} أي أو أردنا أن نريك العذاب الذي وعدناهم {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} بحيث لا مناص لهم من تحت ملكنا وقهرنا واعتبار الإرادة لأنها أنسب بذكر الاقتدار بعد، وفي التعبير بالوعد وهو سبحانه لا يخالف الميعاد إشارة إلى أنه هو الواقع، وهكذا كان إذا لم يفلت أحد من صناديدهم في بدر وغيرها إلا من تحصن بالإيمان، وقرئ {نُرِيَنَّكَ} بالنون الخفيفة.
{فاستمسك بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} تسلية له صلى الله عليه وسلم وأمر له عليه الصلاة والسلام أو لأمته بالدوام على التمسك بالآية والعمل بها، والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا كان أحد هذين الأمرين واقعًا لا محالة فاستمسك بالذي أوحيناه إليك، وقوله تعالى: {إِنَّكَ} الخ تعليل للاستمساك أو للأمر به.
وقرأ بعض قرأء الشام {أوحى} بإسكان اللام، وقرأ الضحاك {أوحى} مبنيًا للفاعل.
{وإَنَّهُ} أي ما أوحى إليك والمراد به القرآن {لِذِكْرِ} لشرف عظيم {لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} هم قريش على ما روي عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة. والسدى. وابن زيد. وأخرج ابن عدي. وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل بمكة ويعدهم الظهور فإذا قالوا: لمن الملك بعدك أمسك فلم يجبهم بشيء لأنه عليه الصلاة والسلام لم يؤمر في ذلك بشيء حتى نزلت: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} فكان صلى الله عليه وسلم بعد إذا سئل قال لقريش: فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك.
وأخرج الطبراني. وابن مردويه. عن عدي بن حاتم قال: «كنت قاعدًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا إن الله تعالى علم ما في قلبي من حبي لقومي فبشرني فيهم فقال سبحانه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} الآية فجعل الذكر والشرف لقومي في كتابه» الحديث، وفيه «فالحمد لله الذي جعل الصديق من قومي والشهيد من قومي إن الله تعالى قلب العباد ظهرًا وبطنًا فكان خير العرب قريش وهي الشجرة المباركة» إلى أن قال عدى: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده قريش بخير قط إلا سره حتى يتبين ذلك السرور في وجهه للناس كلهم وكان عليه الصلاة والسلام كثيرًا ما يتلو هذه الآية {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} الخ، وقيل هم العرب مطلقًا لما أن القرآن نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص منهم حتى يكون الشرف لقريش أكثر من غيرهم ثم لبني هاشم أكثر مما يكون لسائر قريش، وفي رواية عن قتادة هم من اتبعه صلى الله عليه وسلم من أمته.
وقال الحسن: هم الأمة والمعنى وإنه لتذكرة وموعظة لك ولأمتك، والأرجح عندي القول الأول.
{وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} يوم القيامة عنه وعن قيامكم بحقوقه.
وقال الحسن والكلبي والزجاج: تسألون عن شكر ما جعله الله تعالى لكم من الشرف، قيل إن هذه الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسن والذكر الجميل إذ لو لم يكن ذلك مرغوبًا فيه ما أمتن الله تعالى به على رسوله صلى الله عليه وسلم والذكر الجميل قائم مقام الحياة ولذا قيل ذكر الفتى عمره الثاني، وقال ابن دريد:
وإنما المرء حديث بعده ** فكن حديثا حسنًا لمن وعى

وقال آخر:
إنما الدنيا محاسنها ** طيب ما يبقى من الخبر

ويحكى أن الطاغية هلاكو سأل أصحابه من الملك؟ فقالوا: له أنت الذي دوخت البلاد وملكت الأرض وطاعتك الملوك وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن فقال لا الملك هذا الذي له أزيد من ستمائة سنة قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم وليلة خمس مرات يريد محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءالِهَةً يُعْبَدُونَ} أي هل حكمنا بعبادة غير الله سبحانه وهل جاءت في ملة من ملل المرسلين عليهم السلام والمراد الاستشهاد بإجماع المرسلين على التوحيد والتنبيه على أنه ليس ببدع ابتدعه صلى الله عليه وسلم ويكذب ويعادي له، والكلام بتقدير مضاف أي واسأل أمم من أرسلنا أو على جعل سؤال الأمم بمنزلة سؤال المرسلين إليهم.
قال الفراء: هم إنما يخبرون عن كتب الرسل فإذا سألهم عليه الصلاة والسلام فكأنه سأل المرسلين عليهم السلام، وعلى الوجهين المسؤول الأمم، وروي ذلك عن الحسن ومجاهد وقتادة والسدى وعطاء وهو رواية عن ابن عباس أيضًا.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة أنه قال في بعض القراءات وأسأل من أرسلنا إليهم رسلنا قبلك.
وأخرج هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال: كان عبد الله يقرأ واسأل الذين ارسلنا إليهم قبلك من رسلنا، وعن ابن مسعود أنه قرأ {وأسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبل مؤمني أهل الكتاب}، وجعل بعضهم السؤال مجازًا عن النظر والفحص عن ماللهم في سؤال الديار والاطلال ونحوها من قولهم: سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجني ثمارك.
وروي عن ابن عباس أيضًا وابن جبير والزهري وابن زيد أن الكلام على ظاهره وأنه عليه الصلاة والسلام قيل له ذلك ليلة الإسراء حين جمع له الأنبياء في البيت المقدس فامهم ولم يسألهم عليه الصلاة والسلام إذ لم يكن في شك.
وفي بعض الآثار أن ميكال قال لجبريل عليهما السلام: هل سأل محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: هو أعظم يقينًا وأوثق إيمانًا من أن يسأل.
وتعقب هذا القول بأن المراد بهذا السؤال الزام المشركين وهم منكرون الاسراء، وللبحث فيه مجال، والخطاب على جميع ما سمعت لنبينا عليه الصلاة والسلام.
وفي البحر الذي يظهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات قيل له اسأل أيها الناظر أتباع الرسل أجاءت رسلهم بعبادة غير الله عز وجل فانهم يخبرونك أن ذلك لم يقع ولا يمكن أن يأتوا به ولعمري أنه خلاف الظاهر جدًا، ومما يقضي منه العجب ما قيل: إن المعنى واسألني أو واسألنا عمن أرسلنا وعلق اسال فارتفع من وهو اسم استفهما على الابتداء وأرسلنا خبره والجملة في موضع نصب باسال بعد اسقاط الخافض كأن سؤاله من أرسلت يا رب قبلي من رسلك أجعلت في رسالته آلهة تعبد ثم ساق السؤال فحكى المعنى فرد الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {مِن قَبْلِكَ} انتهى، واسأل من قرأ أبا جاد أيرضى بهذا الكلام ويستحسن تفسير كلام الله تعالى المجيد بذلك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)}.
تفريع على جملة {ومن يعشُ عن ذكر الرحمان نقيِّض له شيطانًا} [الزخرف: 36] لأن ذلك أفاد توغّلهم في الضلالة وعُسْرَ انفكاكهم عنها، لأن مقارنة الشياطين لهم تقتضي ذلك، فانتقل منه إلى التهوين على النبي صلى الله عليه وسلم ما يلاقيه من الكدّ والتحرق عليهم في تصميمهم على الكفر والغيّ وفيه إيماء إلى تأييس من اهتداء أكثرهم.
والاستفهام لإنكار أن يكون حرص الرّسول صلى الله عليه وسلم على هداهم ناجعًا فيهم إذا كان الله قدّر ضلالهم فأوجد أسبابه، قال تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يُهْدَى مَن يُضِل} [النحل: 37]، ولما كان حال الرّسول صلى الله عليه وسلم في معاودة دعوتهم كحال من يظنّ أنه قادر على إيصال التذكير إلى قلوبهم نزّل منزلة من يظن ذلك فخوطب باستفهام الإنكار وسلط الاستفهام على كلام فيه طريق قصر بتقديم المسند إليه على الخبَر الفِعْلي مع إيلاء الضمير حرفَ الإنكار وهو قصر مؤكد وقصر قلب، أي أنت لا تسمعهم ولا تهديهم بل الله يُسمعهم ويهديهم إن شاء، وهو نظير {أفأنت تُكره النّاس حتى يكونوا مؤمنين} [يونس: 99].